الاثنين، مارس 08، 2010

يوم فى حياة أنسانة عاملة


أحيانا تفرض علينا الحياة أشياء لا نحبها, أو قد نكون مكرهين على أن نحبها لأنها تصبح جزءا من حياتنا اليومية - تردد هذه العبارة منذ فترة لنفسها كل صباح حتى لا تصاب بالاكتئاب.
الخامسة فجرا: تسمع أذان الفجر تفتح عينيها تستيقظ بتكاسل, تتضوء, تصلى ثم تعد كوبا من الشاى بالحليب , تسخن شريحة من الخبز لاعداد سندوتيش (لم تكن تتناول أبدا وجبة الفطور ولا تعرف لماذا بدأت الأن بعد أن فات آوان المحافظة على وجبة الفطور) - تقوم بتحمير قطع الدجاج, تقطع السلاطة وتضعها فى الثلاجة, الخضار جاهز من الامس أما الأرز على النار, ترتدى ملابسها سريعا, توقظ أبنها للذهاب الى الجامعة لتسليم مشروعه , تتأكد أنها أغلقت البوتاجاز تخرج من البيت وتقف على الرصيف المقابل لعمارتها تنتظر أوتوبيس العمل.
يقف بائع الفول أمام عربته فى نفس موعدها يعد عدته يساعده صبيه هل أحضرت العيش, البيض, الطماطم والذى منه, تمام يامعلم كله فى السليم ويضعان قدرة الفول على العربة فى أنتظار زبون الاستفتاح وهو بالتأكيد ليس (هى)-
السادسة والربع صباحا: تظهر الحافلة فى موعدها, تصعد تلقى السلام على الموجودين, تجلس فى المقعد الاول بجوار الباب, تفتح الستارة- للان لا تفهم ما سر أسدال كل ستائر العربة ؟؟ تفتح حقيبتها تخرج كتاب لتبدأ القراءة, تنساب بعقلها داخل سطور" لماذا لا يثور المصريون" لعلاء الاسوانى, يتوقف الاوتوبيس فى عدة أماكن لا تعير لها أهتماما, ترد السلام بألية على من يصعد فى كل مرة وتكمل القراءة-فى الصباح الباكر لايقوى أحد على تبادل الاحاديث فالنوم لايزل يداعب الجفون- تتساءل بخبث ترى ماذا يكون رد فعل صاحب الفتاوى من عينة يا ترى نأكل آته ولا خيار اذا عرف أنها فى الصباح تكون السيدة الوحيدة فى الحافلة- يامصيبتى- أكيد سوف يرجمهم  جميعا حتى الموت- الزنادقة!!! تقترب الحافلة من مقر العمل وتتساءل لماذا لا يثور سكان تلك المنطقة على هذا القبح والقذارة التى تحيط بمساكنهم؟ أى لامبالاة يعيشها الجميع وقفز فى رأسها سؤال ترى ماذا كانت تفعل لو كانت مكانهم؟ لم تجد ردا...
السابعة والنصف صباحا: موعد العمل الرسمى حسب التوقيت المحلى لمدينة القاهرة, تقف أمام البوابة الحديدية الالكترونية التى لا تفتح الا بالكارت الخاص بالدخول, ورائها طابور من الموظفين والموظفات, العاملين والعاملات, كل ينتظر دوره, يذكرها الطابور بطابور العيش مع الفارق ولكن ألسنا جميعا هنا لأجل لقمة العيش؟ تنظر الى العاملات المتجهات الى قسم الانتاج تبدو علامات رقة الحال عليهن (فيما بعد علمت أن اليومية ضئيلة للغاية ورغم ذلك هن هنا! ربما حتى تسنح لهن فرصة أفضل فى مكان أخر- رغم شكها فى ذلك). لفت نظرها عاملة تمسك بحقيبة بنفسجية اللون تتماشى مع لون بلوزتها, أعجبت بأهتمامها بتناسق ألوانها رغم عشوائية أخيتار الاخريات, ولكن هل يملك مثلهن حق الاختيار أو رفاهية تناغم الالوان؟؟
الساعة الواحدة ظهرا: نصف ساعة راحة لتناول الغذاء فى الكافتيريا الخاصة بالعاملين , تذهب للتناول الطعام مع صديقتها فمن حسن الحظ أن صديقتها المقربة تعمل فى نفس المكان, أصبحت تراها يوميا بعد أن كانت لاتراها الا نادرا لمشاغل الحياة ولبعد مساكنهما عن الاخرى, كما أن صديقتها رغم أن لها أبنتان جامعيتان الا أن لها أبن فى الثانوية العامة (سنة ثانية) يكاد يصيبها بالجنون, تحمد الله هى كثيرا أن تلك المرحلة اللعينة أنتهت من حياة أولادها. لا يهتمان حقا بتناول الطعام أنما بتبادل الاحاديث وذكريات ايام جميلة فى حياتهما فلصداقتهما طعم خاص غير متوافر الان عند العديد من النساء والرجال أيضا.
الساعة الرابعة والنصف: موعد أنتهاء مواعيد العمل الرسمية حسب التوقيت المحلى,تلملم الاوراق, تخطف حقيبتها, تنزل الدرج تمشى فى الممر للتوجه لبوابة الخروج (نزول الدرج والسير فى الممر يوميا لا شك سيساعد على ذوبان بعض الدهون) لازال لا مكان ثابت لها ولا حتى جهاز كمبيوتر. تبدأ رحلة العودة الى المنزل والتى تختلف كلية عن رحلة الصباح فهى تستغرق ساعتين لتصل لمنزلها فهى أخر الخط بعد جولة شيقة فى كل شوارع مدينة نصر. لاتدرى أين قرأت تلك الجملة أن "الاشياء الجميلة لم تحدث بعد" لقد بلغت الخمسين عاما منذ شهر ولازالت فى أنتظار تلك الاشياء الجميلة التى لم تحدث بعد وتتعجب متى تأتى؟ بل هل ستأتى؟تذكرت أخر مقابلة عمل فى رحلتها للبحث عن عمل حين عرفت أنه تم أختيار سيدة تصغرها سنا بحجة أن سنها لن يناسب التعامل مع مجموعة من الشابات الصغيرات ولاتعرف على أى أساس تم أتخاذ قرار أن من تبلغ الخمسين لا تجيد التعامل مع من يصغرنها سنا!! أحزنها أنه لازال فى هذا العالم والعربى خاصة والمصرى بالأخص من لايفكر فى المرأة كأنسانة. ويظن أن تاريخ صلاحيتها أنتهى لمجرد أنها تخطت الأربعين, فكان عليها أن تقبل بوظيفة اقل وبنصف راتبها منذ سنة حين تركت عملها. بالكاد يكفيها معاشها المبكر ومعاش زوجها مع مصاريف وأحتياجات شابين جامعيين لا تنتهى- سخرت ممن يتهم الطلبة فى الجامعات الخاصة بأنهم فشلة لان أهلهم يشترون لهم شهادة, بينما الحقيقة أحيانا غير ذلك, ترى هل كانت ستشنق أبنها حين حصل على 90% ولم يتسنى له الالتحاق بهندسة حكومة فما وجدت هندسة خاصة تناسب أمكانياتها سوى العاشر من رمضان أم كان المفروض عليها أن تخنق الابن الاكبر حين حصل على مجموع بالكاد يلحقه بمعهد عالى 4 سنوات لانه مرض بشدة أثناء أمتحانات البع بع- يهوى الناس الاحاديث اللاهية والاتهامات الجزافية وهم لا يعرفون حقيقة الاشياء. لم تعد تشعر بالسعادة أو المتعة لا فى الحصول على عمل ولا فى البحث عنه, تحول ما بداخلها لشبه ألة - متى تكون حرة فى أختياراتها والا تفرض عليها الظروف مالاترغب فيه. نظرت الى المساحات الخضراء من النافذة ولمحت النيل نظرت اليه طويلا فى سكونه هل تغبط من تفتح شباكها صباحا على هذا المنظر أم أنه لم يعد أحد يتوقف ليشاهد ويناجى النيل. أزمة سولار فى الافق يتمنى السائق أن يكون ما فى سيارته من جاز كافيا لتوصيلهم,تشاهد جحافل من سيارات الميكروباص مزدحمة فى المحطة علمت أنه لايوجد سولارقال السائق أنها نفس أزمة العام الماضى التى تمت تسويتها بعد رفع سعر السولار وقال ببساطة أن كانوا يرغبون فى زيادة سعره فلما الغلبة فليفعلوا ذلك الان!!!
أخرجت ورقة الطلبات من حقيبتها قرأت ما عليها أن تفعله وشراؤه قبل العودة الى المنزل, "من فضلك يامحمد نزلنى قريب من سيتى ستارز". تنزل وتعبرالشارع. تصلى المغرب فى مصلى السيدات لانها على ثقة أنها ستعود الى البيت حين يؤذن للعشاء, تقوم بتسديد فاتورة اليو سى بى الخاص بها, لاتنسى شراء مجلتها الاسبوعية تلمح كتاب "فتاة البسكويت" التى كانت تبحث عنه تشتريه وتسأل عن كتاب جلال أمين مصر فى عصر الجماهير الغفيرة, هل تتوقف يوما عن شراء الكتب؟؟ تتمنى الا يأتى هذا اليوم. زيارة سريعة لشراء بقالة خفيفة - السوبر ماركت يكاد ينفجر من الزحام لابد وأنه عامل أوفر ما لكنها لاتعرفه, المكان محاصر بأطقم الحلل والكاسات والكسارولات  لابد وأنه تحضير لعيد الام أخخخ أى سيبدأ الناس الى الانقسام كالعادة قبله نحتفل لا مانحتفلش نحتفل لا مانحتفلش بس بجد نحتفل لا مانحتفلش وسوف يسمع أحفادها نفس الحوارالعقيم السقيم الملل أن أطال الله عمرها 
يعجبها طقم توابل ملون تشتريه بثمن معقول فقد سئمت شكل الفلفل والكمون فى برطمانات المربى
كيكة وقليل من كعب الغزال لزوم الفطورلاتهتم كثيرا بأنها لاتجيد أو بالاحرى لا تعرف صناعة الحلوى رغم مهارتها فى الطبخ ولاتأبه أن كانت الوحيدة فى العائلة التى لا تعرف عمل الكيكة والبسبوسة والمربات فالحمدلله لايحب اولادها الحلويات ولاحتى المربى أما زوجها فهو ممنوع من السكريات
زبادى وجبنة رومى وعيش فينو وعيش شامى بتاع الريجيم لانه لذيذ الطعم ولايمت للتخسيس بأى صلة الحساب كام؟؟؟ ياساتر!!!
تتجه الى البنك الالى لسحب مبلغ من المال وكالعادة الماكينة تظهر أن بها عطل- قررت أن تراسل مورفى واضع قوانين مورفى حتى يزيد قانون أخر فوق قوانينه- حين لا يكون معك مال وشبه مفلس وتتجه الى ماكينة سحب الاموال ستقوم الماكينة أما بسحب الكارت عن طريق الخطأ أو تكون فارغة أو يكون بها عطل وفى أى الاحوال ستبقى مفلسا حتى اليوم التالى وتتمنى الا تحدث لك كارثة فى منتصف الليل تتطلب مالا!!
صوت المؤذن لصلاة العشاء, يشير عداد التاكسى الابيض المخطط بأسود كالحمار المخطط الى 19.25 لاتعرف كيف وبالطبع لم تجادل ودفعت أخر عشرين جنيها معها وبالطبع لم تنتظر 75 قرشا حاولت أن تتذكر أن هناك 100 جنيه مخبأة فى مكان ما لا تذكره الان ولكنها بالطبع ستتذكره قبل النوم وقبل أن تصاب بسكتة قلبية.
فتح لها أبنها الباب حمل عنها الاكياس ولازالت تفكر أن الاشياء الجميلة لم تحدث بعد- تذكرت أنها فى عملها الجديد لمدة 3 شهور فقط وبعدها ستعاود الرحلة من جديد- حقا أن الاشياء الجميلة لم تحدث بعد كان أخر ما تذكرته قبل أن تغمض عيناها عند منتصف الليل
-سندريلا الانسانة تصبحين على خير-
قلمى

هناك 16 تعليقًا:

  1. اسلوبك لطيف

    كم تتعب المرأه و تنشغل فى دوامة الحياة و روتينها


    تحياتي

    ردحذف
  2. لاتدرى أين قرأت تلك الجملة أن "الاشياء الجميلة لم تحدث بعد" لقد بلغت الخمسين عاما منذ شهر ولازالت فى أنتظار تلك الاشياء الجميلة التى لم تحدث بعد وتتعجب متى تأتى؟ بل هل ستأتى؟
    *****************************
    الأشياء الجميلة موجودة في الروح الجميلة التي كتبت هذا الموضوع ...موجودة سيدتي ولكن الحياة ومتطلباتها ينسونا أحيانا أن ننظر إلى مرآة أرواحنا لنجد قلوبنا الجميلة ...انا نفسي اقعد يومين في مكان ادام البحر أو النيل ومعاكي مجموعة كتب وكوب قهوتي وبس ...وورد كمان... تحياتي

    ردحذف
  3. وصفتى اليوم بالضبط
    بأحداثه الخارجية
    وإنفعالاتــه
    الداخلية
    قد يختلف بدقيقة هنا
    او تأخير هناك ولكنه نفس اليوم.

    ردحذف
  4. هى دى مصر ياعبلة..... قصدى يامنى

    ردحذف
  5. هى الدنيا كدة يا مني

    الناس كلها تقريبا دى حياتها وروتينها

    لكن احساسى بانى اعرف بطلة القصة فاحب انك تبلغيها

    " إن بعد العسر يسرا - إن بعد العسر يسرا"

    تحياتى وتقديري واحترامي

    ردحذف
  6. أشكركم جميعا على تعليقاتكم الجميلة:)

    ردحذف
  7. دقة الوصف وصدق التعبير وسلاسة الكلمة جعلني أشعر وأنا أقرأ أنني أجلس في نفس الحافلة وأشاهد من نافذتها فيلما واقعيا .
    أبدعتي
    تحياتي

    ردحذف
  8. قصةرائعة

    ومشوار انسانة طلعنا منة بحاجات كتير

    ربنا يوفقك ويكرمك

    مع خالص تحياتى

    ردحذف
  9. أحييكى على أسلوبك العذب الجميل

    فعلا بوست جميل

    دمتى بخير

    ردحذف
  10. رحلة يومية لأمرأة وحيدة برغم كل من حولها ولكنها دائما على قدر المسؤولية قصة فيها شجن جميل فلننتظر كلنا الاجمل الذي لم يأتي بعد..

    ردحذف
  11. أراهن يوميا كزميلات في العمل
    نحن نعود إلى منازلنا بعد عناء العمل لننام
    وهن يعدن ليبدأن رحلة عمل جديدة كأمهات وزوجات
    كان الله في عون المرأة العاملة خاصة بعد أن أصبح عملها ليس ترفا

    أحييك على وصفك الرائع

    ردحذف
  12. اشفق على كل مرة اراها تتعب في العمل

    ردحذف
  13. انها المرأة التى وهيتنا الحياة بكل معانيها .. وجدت فى كلماتك وصف للزوجة والأم والأخت والصديقة ..أنه مجتمعنا المصرى نحسه ونعيشه معك ومع كل امرأة فى هذا المجتمع ..لكنى أرى انها تفعل كل هذا بحب وسعادة برغم كل ما يمر بها ..وأراهن لو فقدتى اى جزء من هذه المعاناة لحزنت أشد حزن.. سيبقى الأمل بحياة مختلفة فى الأذهان ولكن ان اقترب لعيشنا واخترنا الواقع بكل معاناته وسلبياته ايضا.. انه الحنين والعشرة لهذه الحياة بهذا الشكل بالذات دون غيره .. شكرا على بوستك واحساسك الجميل الدافئ بنبض الواقع

    ردحذف
  14. ازيك منى اخبارك اية

    انا مش نزلت ليا رواية اكيد تشابة اسماء بس والله بشرة خير

    اسم الرواية اية انا عايز اجبها واشوف الكاتب اللى اسمة على اسمى

    ربنا يوفقك ويكرمك

    مع خالص تحياتى

    ردحذف
  15. أسلوب سلس ورائع أحييكي عليه

    وامتزاج بين الواقع الملموس بحركاته ودواخل النفس البشرية

    احييكي

    تحياتي ويبقى التواصل

    ردحذف

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))