الخميس، مارس 25، 2010

ذكريات ميتة


هل أعجبتك الهدية ياماما؟
نظرت علياء بحب نحو ولدها وقبلته طبعا ياحبيبى ربنا يخليك لى
فقال لها: على فكرة كلنا مشتركين فيها - فضحكت
حرصت علياء دائما أن يحصل أولادها على طفولة هادئة وفى نفس الوقت حافلة بمغامرات طفولية فكانت تود أن يحمل قلبهم وذاكرتهم مخزون من ذكريات طفولية تربطهم دائما ببعضهم وبها وتشهد الصور التى التقاطتها لهم على مدار السنين على ذلك " البحر والتسابق على صيد قناديل البحر على شاطىء فايد"
" الغردقة والجلاس بوت"
"الاقصر وجولة الحنطور وحتشبثوت"
"الزرافة برقبتها الطويلة وسيد قشطة فى حديقة الحيوان"
"النادى وتمارين السباحة وشهادات التقدير"
"زحلقة المياه فى الملاهى والمراجيح"
" أول يوم فى المدرسة"
"لبس المدرسة الجديد كى جى 1 وابتدائى "
يوم ما سترحل عنهم وستبقى تلك اللحظات محفورة فى أعماقهم تضفى بهجة على روحهم وتمنح قصصا لاولادهم فى المستقبل.
وتظهر علياء فى الصور وأبتسامة الرضا على وجهها وهى تلعب هنا وهناك وتشارك أولادها كل مرح طفولتهم.
بين الحين والاخر تقوم علياء بترتيب الصور فى ألبومات الصور وأضافة صور أخرى تنادى أولادها ليشاهدوا الصور ويتذكرون ويتضاحكون
وعلياء تعلم بل هى على يقين أن الطفولة السعيدة هى التى تصقل شخصية الطفل وتمنحه كبرياء يعيش معه طول العمر ,على عكس من يحملون ذكريات حزينة بل مريرة مثلها.
لاتتذكر علياء من طفولتها شىء دافىء أو جميل ولاتتذكر وجه أمها فقد تلاشت ملامحه من ذاكرتها بمرور الزمن ولايذكرها بأنها كان لها يوم أما سوى صورة فى زاوية المكتبة لها وهى طفلة ذات خمس سنوات تقف بين أبيها وأمها تلك الصورة هى الدليل الوحيد أن علياء جاءت لهذا العالم من رحم تلك السيدة.
لاتملك صور لطفولتها فلم يكن التصويرهوايتها حين ذاك ولم تكن تحمل كاميرا ولكنها تحمل ذاكرة فوتوغرافية فتذكر صورمن أيام تود أن تسقط فى قاع بئر سحيق فلا تعود أبدا ترى أمها وهى تكاد لا تفيق من أحتسائها لاكواب البيرة والتى بدأت حين تركها رجلها, والد علياء , فلا تراها سوى أمرأة ثائرة لأتفه الاسباب لا تعرف الحنو أو العطف بل القسوة هى شعار حياتها فى التعامل, لازالت تذكر حين رأت والدها وهو يصفع أمها وينادى عليها "تعالى أنظرى كيف أضرب أمك" , ثم تركهم وأمها تحمل أختها طفلة رضيعة لم تكمل شهورلم تجد حل سوى أرسالها لاهل زوجها لانها لم تكن تملك ثمن اللبن لارضاعها فلم يتعارف الاختان الا بعد عشر سنوات و توافد على أمها زوج ثم زوج أخر تحرش بها جنسيا  بينما أمها لا تدرى شىء.
تذكرعلياء جيدا 67 والاصوات تصيح "طافوا النور" وصوت الغارات والجلاد الكحلى الورقى الذى كان يغطى نوافذ البيوت بينما بيوت أخرى قامت بدهان الشبابيك بهذا اللون وعرفت وهى طفلة أنه لحماية البيوت من قصف الطائرات. تذكر أن مجلة تان تان لم تعد متوفرة بعد الحرب عند بائع الجرائد وتوقفت ميكى لعدة أسابيع بينما كانت مجلة سمير تصدر بلون أسود وابيض بعد أن توقفت لشهور عن الصدور بالالوان. لم يكن لعلياء صديقات طفولة فلا هى كانت تجيد تكوين صداقات ولا كانت والدتها تسمح بذلك وكانت علياء تفضل الانطوائية والا يطلع أحد على حياتها وحتى سن 12 لم تكن علياء تعرف لعبة الاولة ولا الهيلاهوب. وفى ليلة تبدلت الصور ورحلت فى طائرة مع أختها لم تعد طفلة بل على عتبات المراهقة هى لم تكن أبدا طفلة ولم تشعر بطفولتها بل بقهر وأنكسار يفوق عمرها الصغير. تلاشت من ذاكرتها صورة الام وتعلمت الا تسأل أبيها عن أمها فأجابته دائما واحدة : بتشحت على باب الكنيسة !! ولم تفهم أبدا ما السر وراء أختيار تلك العبارة العقيمة التى لا تتغير ولم لا يختار المسجد؟ وأعتادت علياء الا تسأل ولم يعد يهمها أن تعرف أى أجابات فهى كانت تسأل من باب الواجب أو الفضول ربما -لكن قطعا لم يكن السبب هو الحب -وأنقسمت حياتها الى مراحل :
هى مامتك فين ياعلياء فتجيب بكل برأة "معرفش لها مكان" فيتهمونها بالكذب
هى مامتك عايشة ياعلياء؟ "أيوه بس معرفش فين"!
 معقولة ياعلياء كده حرام
كده غلط
أنت مقصرة
أزاى ربنا حيحاسبك
ديه أمك
 أزاى متعرفيش
هى مامتك عايشة ياعلياء ؟ "لا ماما ماتت من زمان أوى وأنا صغيرة الله يرحمها".
بس بجد ياماما عجبتك الشنطة؟ أحنا قلنا نجيب لك لون غير الاسود وكمان أحنا عارفين أنك مش بتحبى الشنط الصغيرة ولا الى ايدها قصيرة
  عجبنى اللون صيفى جميل ومكنتش أعرف أنكم واخدين بالكم من ذوقى فى الشنط
طبعا مش أنت ماما لازم نعرف
 وتضحك علياء وبداخلها سكينة وهدوء وتحمدالله أن رزقها بتلك الذرية الصالحة ويرن هاتفها ليحمل لها صوت أختها كل سنة وأنت طيبة يامامتى ياأحلى وأحن أم فى الدنيا. وتغمض عينيها وفى قاع عقلها تغوص فقاقيع من ذكريات مهملة بل ميتة.
قلمى

هناك 8 تعليقات:

  1. اروح منكم فين أنا؟؟

    واحده حبيبة تكتب عيد الألم وتبكيني وواحده تانية حبيبة تكتب ذكريات ميتة فتبكيني مرة ثانية؟

    يالها من ذكريات ميتة حية في قلبها .

    ردحذف
  2. غير معرف26/3/10 3:42 ص

    السلام عليكم
    لا يوجد لدي ما أقوله سوى أني طالعت المقالة كلمة كلمة وحرف حرف
    وربما هذا ما لعثم قلمي عن أن يسكب حبره معبراً عن رأيه في المحتوى

    ردحذف
  3. جميل انها برغم كل الي قاسته
    قدرت تكون أم كويسه
    والأجمل ان القدر سمح لها بكده

    تحياتي

    ردحذف
  4. فعلا يجب أن تموت الذكريات الأليمة وإلا ما إستطعنا الإستمرار في الحياة .
    الخطورة الحقيقية هي ما ينطبع في عقل الطفل وخياله فيكون عاملا من عوامل شخصيته وردود أفعاله مدى الحياة حتى وإن نسي تلك الذكريات الأليمة
    كل عام وأنتي بخير

    ردحذف
  5. مقال غايه فى الروعة .
    دمتى على خير

    ردحذف
  6. كذلك أمهاتنا

    فهل من بنات اليوم من تمتلك تلك العزيمة

    أعتقد صعب وليس مستحيل


    السلام عليكم

    ردحذف
  7. ذكريات أليمة تلك
    التى عاشتها علياء
    ولكن والحمد لله لـم
    تفقدها الأرداة على
    أن يحيا اولاها حياة
    جميلة ويكون لهم ذكريات سعيدة.

    ردحذف
  8. فى أغلب الأحيان
    وكنوع من الحماية
    يدفن العقل الباطن
    الذكريات الأليمة فى
    مكان عميق من الذاكرة
    لا ينساها ولكن يتناساها!

    ردحذف

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))