الأحد، سبتمبر 12، 2010

أحيانا لا يكون العيد فرحة للبعض

بعد وفاة والدها منذ 3 سنوات أعتادت أن تقوم بزيارة أعمامها كل عيد لتصل الرحم الذى أنقطع لفترة ليست بقصيرة. رغم أنها لم تعد تحب هذه الزيارات ففى كل مرة تسمع نفس الحكايات ونفس الأحاديث التى تفتح جراح كثيرة فى قلبها بل فى روحها. طلبت من شقيقتها الصغرى أن تقابلها هناك وبعد تردد وتكاسل أرتدت ملابسها أستعدادا لذلك اليوم.
أقتربت السيارة التى تقلها نحو حديقة الأزهر فرأت زحام المعتاد وأستعداد الناس لتحويل كل ماهو جميل فى هذه البلد الى قبيح فلم تصدق أن كل هذه الحشود متجهة الى الحديقة بأكياس يعلم الله ما بها – تخيلت شكل الحديقة الجميلة بعد رحليهم عنها. يزداد الزحام حيث الطريق المؤدى إلى المدافن وتساءلت لماذا لا يحلو تذكر أمواتانا الا فى أيام العيد وماعلاقة العيد بزيارة المدافن سؤال لا تجد له أبدا أى أجابة منطقية. تتمنى أن تجد عمها والا يكون هو الآخر قد فكر فى زيارة قبر والدها فى هذا اليوم كما يفعل كل عيد.
تقترب من الشارع على اليمين ترى هذا الصرح الطبى الضخم كتحفة معمارية والذى لا يكفون عن التسول لأجله فى التليفزيون ليل مع نهار بشكل فج وتجارة بمشاعر الأطفال المريضة. أما ناحية اليسار فهو لسور مجرى العيون ذلك السور الذى كان فى يوما قناطر للمياه ومع الأيام فقد أهميته وفقد جماله وأصبح عنوانا للقذارة التى لا مثيل لها فى أى منطقة فى العالم ومجرد الأقتراب منه يصيبك بالغثيان من الرائحة ويجب أن تتماسك حتى لا تتقىء.
وصلت الشارع " شارع أبوسفين" ذلك الشارع كان شاهدا على خطاها على مدى 3 سنوات من عمرها الجامعى فقد حزمت حقائبها وأتت إلى بيت عمها عندما كانت فى سنة ثانية تاركة ورائها سيدة عجوز كانت تتفنن فى تعذيب كرامتها
  تذكرت كيف كانت تهوى السير من هذا البيت الى الجامعة يوميا فقد كان أحلى صباح حين تعانق عينيها منظر النيل وهى تسير فوق كوبرى جامعة القاهرة.
لازالت ورشة الخراطة هناك عنوانا لخلاف لا ينتهى بين أعمامها ومازال الفرن الذى تم تأميمه مع بقية الأفران فى عهد الرئيس الراحل الذى كان يتبع مبدأ روبين هود يحمل أسم "العائلة".
بيت العائلة حيث يقطن 2 من أكبر أعمامها وصلت شقيقتها قبلها يفرح عمها دائما برؤيتها فهى كما يقولون "البكرية" فى العائلة ولأنها لها مكانة خاصة عندهم فقط أطلق على بنته أسمها كما أطلق عم أخر نفس الأسم على أبنته أيضا. لا يتكلم عمها كثيرا وفى كل مرة تقوم بالزيارة تتكتشف أن مستوى السمع عنده فى أنخفاض مستمر فلا يسمع أى الأحاديث التى تدور حوله وتتولى زوجة عمها وأبنة عمها الحديث وهو نفس الحديث الذى تسمعه منذ 3 سنوات عن الخلاف حول أيجار الورشة وأن الأخ الأصغر لا يعطى الأخ الأكبر والذى لا يأخذون منه شىء ورغم القضايا فلا شىء يحدث فى هذا الموضوع حاولت كثيرا أن تعمل على مداوة هذا الصدع أكراما لذكرى والدها فباءت كل محاولتها بالفشل حتى سئمت من المحاولات. وتبقى طوال هذا الجلسة تستمع الى شكاوى تنتهى مع مصمصة شفاه على حالها وحال أختها وكأنهن هما المعنيات بالشقاء
ولا يقطع هذا الحديث سوى طلبها لكوب من الماء الذى يتبعه الشاى ثم الحاجة الساقعة ثم الحلفان بتذوق الكعك صنع يد أبنة العم "علشان ربنا ما يقطعش لنا عادة لازم نعمل كعك علشان بنتشائم" وما تكاد تنتهى من تذوق الكعك حتى تبدأ الكرة من البداية فنظرت الى أختها وأخبرتها أنه أن الأوان للصعود للطابق الثانى حيث يقطن عمها الأخر – أعمامها 4 أثنان يقطنان فى بيت العائلة والعم المنوط بالخلاف يقطن فى المعادى بينما العم الأصغر الذى ليس له علاقة بأى شىء يعيش فى مملكته الخاصة بعيدا عنهم. تحزن دائما أن رغم هذه العائلة كبيرة فلا علاقة حقيقية بينهم رغم أنه على النقيض زوجة كل عم تتمتع بعلاقة أسرية متينة عميقة بأسرتها بشكل مذهل.

يتمتع عمها الثانى وهو أقرب الأعمام شكلا لوالدها بخفة دم لا حدود لها وبالقدرة على الحديث بدون توقف ولكن لا يخرج الحديث فى كل زيارة عن الشكوى ولعن زوجة أخيهم (والدها) التى أصرت على دفنه فى مدافنها وليس فى مدافن العائلة ويخوض فى هذا الحديث نفسه الذى لا يتوقف منذ 3 سنوات حين نشب خلاف حاد بينهم فى المستشفى بسبب مكان الدفن فوجدت نفسها لا شعوريا يومها تقول لهم أنها أبنته الكبرى وتخبرهم بحماقة ما يفعلونه وعليهم بتنفيذ ما تقوله زوجة أبيها فهى أدرى بوصيته وللآن يلومها البعض على ذلك. وبالطبع لا يكفون بتذكيرها بهذا الموقف وخاصة أنها لم تكن على صلة بهم لسنوات وسنوات ولايكفون عن لعن الزوجة بأنها كانت ترفض دخولهم لزيارة أخيهم فى المستشفى رغم أنه لم يكن بينهم أى خلافات.
وبالطبع لا تنتهى الزيارة الا بالتذكير بالميراث الذى نهب وتعيد تذكير عمها بأنه لن يأتى يوما تقاضى فيه زوجة أبيها لأنها ببساطة أم أشقاء لها وسألها عمها ماذا نفعل لو سألتنا عن النصيب فى البيت الذى تأخذه أختها وهذا النصيب الذين يتحدثون عنه لا يتعدى 800 جنيه سنويا والذى تنازل عنه والدها لهم قبل الوفاة. وتنظر اليه ذاهلة تود لو تخبره لماذا لا يتحرك أى منهم لعمل شىء بدلا من هذا الحمق فى الحوار.
كان الجو حارا وخانقا لدرجة كانت تشعر فيه بأنها على وشط أن يغشى عليها من فرط الأجهاد طلبت منه مرة للمرة الألف بأن يحاول أن ينهى الخلاف بين أخويه فلاداعى أن يرث الأولاد أحقادهم وخلافاتهم فما يحدث الأن لن يعيد بأى حال من الأحوال العلاقات بين أولاد العمومة ولكن سيبقى الأخوات أخوة أى كان الخلاف فلا وقت لمزيد من العبث فلا أحد يعرف متى سيودع هذه الحياة.
وأنتهت الزيارة التى تتكرر كل عيد ولا يتغير فيها أشياء كثيرة ربما المزيد من التفاصيل المؤلمة التى تكون قد سقطت من الذاكرة. ودعت الجميع وتركت ذلك البيت الذى شهد تفوقها الجامعى ولمة الصديقات اللاتى لم يكن يجدن غضاضة فى الحضور لهذا البيت القديم فى تلك المنطقة الشعبية بل وكان مقر الأول للمذاكرة وللمرح الذى لا يتنهى.
كم سنوات مرت دون أن تقترب من هذا البيت لأسباب شخصية ولازالت حين تتذكرها تدمى قلبها. كيف تحول هذا البيت إلى سقم لا يتنهى بالنسبة لها ودت لو فى يوم يتوقف ولكن أحيانا لصلة الرحم أحكام يجب أن ننصاع لها.
 وفى طريق عودتها الساعة الثالثة كانت الطرق خالية ولاأثر للزحام ما أجمل القاهرة وهى هادئة وفى عقلها لا يتوقف شريط الذكريات تستدعى فيه والدها الذى لم تعرفه بسبب زوجته. ولم تجد ما تفعله سوى أن تطلب له الرحمة والمغفرة.

وتدرك أنه أحيانا لا يكون العيد فرحة للبعض.
قلمى

هناك 10 تعليقات:

  1. كل ما تيجي سيرة المستشفي دي دمي يفور ، التحفة المعمارية دي اتكلفت ملايين من التبرعات علشان تبقا بالشكل ده و كان الأجدر تكون التكاليف دي لعلاج الحالات الواردة و علي المتطلبات الحيوية للمستشفي ، حقيقي حكومة تافهة بتاعة مناظر...
    القصة توجع القلب من كتر المشاكل الواردة فيها ، و تقريبا مفيش عيلة مصرية تخلو من مشكلة أو اتنين من المشاكل دي علي الأقل...
    أنا مش غاوي زيارات عائلية في أي ظرف من الظروف ، و علي ما أظن لقبي المفضل في العيلة هو الندل أو الواطي أو ما شابه...
    كل سنة و حضرتك طيبة و عيد سعيييييييييد...

    ردحذف
  2. أستاذه منى

    عارفه قادر اوصل للشعور ده جدا

    الحمد لله العيد عادةً لا يحمل ذكرى سيئة لى

    و لكن أتضح لى شيئا

    عى الرغم و انا صغير حزين جدا لسفرنا الدائم

    و الحياة بالأقصر

    بعيدا عن أهلنا و اقاربنا بالقاهرة

    و لكن الأن بعد كل هذه السنين

    أحمد الله على هذا الصنيع

    لأننا الأن مرتبطين بكل أقاربنا بكل خير و لم نشترك بأى خلافات عائليه

    أو أو أو

    لذلك الحمد ان العيد لى فرحة

    بالرغم بمعرفتى

    أنه أحيانا لا يكون العيد فرحة للبعض


    جميل البوست

    جعلنى افكر كثيرا

    (:

    ردحذف
  3. بجد مش فاهمه ايه حكاية زيارة المقابر فى العيد دى..على حد علمي ده شىء لا يتفق مع الدين بس واضح انها عادة اجتماعية مالهاش لازمة زى حاجات كتير اوى مالهاش لازمة و لا فايدة بنعملها

    مازلت اتذكر و انا فى التاسعة من عمرى كان والدى و والدتى مسافرين و جه اول يوم العيد و انا عند جدتى و لما جه عمى و اولاده الصغار اخدنا كلنا المقابر بدل ما يودينا نادى و لا ملاهى و لا حديقة و لاننا اطفال فما كان منا الا اننا فضلنا نلعب استغماية فى المقابر و نجرى و نضحك و ننفخ بلونات!

    ردحذف
  4. جميلة قوى يا مدام منى ... صادقة و مؤثرة جداً

    ردحذف
  5. سيدتي أشكرك كثيرا
    كلام يدخل الصميم ويروي الواقع المر كما هو
    أتمنى لك عيد سعيد
    بالتوفيق دائما

    ردحذف
  6. بالرغم من حزن البوست إلا أن صاحبته لازال قلبها يجمل الذكريات السعيدة كما قالت هي:
    ودعت الجميع وتركت ذلك البيت الذى شهد تفوقها الجامعى ولمة الصديقات اللاتى لم يكن يجدن غضاضة فى الحضور لهذا البيت القديم فى تلك المنطقة الشعبية بل وكان مقر الأول للمذاكرة وللمرح الذى لا يتنهى.
    ربي يسعد قلبها دايما بأحلى الذكريات

    عيد سعيد يا منمن

    ردحذف
  7. السلام عليكم
    كل سنةوانت طيبة عيد سعيد

    جميلة القصة اشعر بوقعيتها او انها من احداث تمر حولنا في كثير من الاسر المصرية
    اجمل ما ذكر في القصة من المتنزهات حديقة الازهر تحفة بجد من كونها حديقة تحوي كثير من انواع الاشجار كل نوع عليه اسمه اضافة الي شلالات المياة اول مرة اري حديقة بهذة الروعة

    ادعوكي الي زيارتها
    تحياتي

    ردحذف
  8. غير معرف13/9/10 10:49 ص

    إني مررت وتألمت كما سعدت

    عيدك كريم يا أم أكرم

    ردحذف
  9. العيد السنه دي قضيناه سيء جدا جدا العيله متملمتش ووفيه ناس بدات تختفي كل سنه وةالموت يخطفها من عندنا
    العيد بقي كئيب ومالوش
    طعم بالنسبه لي

    عايش علي زكرياته

    ردحذف
  10. Mona
    منذ صغرى وأنا لاأقطع صلة الرحم ولاأسمح
    لأحد مهما كان أن يفسد على فرحة العيد الصغير والكبير بالكلام الفاضى فأنا أقطعه فورا وإما يسكت من يتكلم أو أترك المكان فورا وبرغم هذا أعود وكأن شيئا لم يكن فصلة الرحم أقوى منى هى أمر من الله لى ولابد أن أنفذه دون تقصير مهما كانت المشاكل والمفاسد والعراقيل التى يضعها بعض أقاربى فى طريقى بتصرفاتهم وكلامهم الجارح الفاضى الذى ليس له معنى لأنهم لايستطيعون مجاراتى فى صلة الرحم بل لايستطيعون حتى الرد على الصلة فيقطعونها وأصلها والحمد لله وأنا راض كل الرضا فإن ربى يكافؤنى دائما على ذلك فى عمرى بركة وفى مالى كثرة وزيادة والحمد لله

    ردحذف

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))