الخميس، أكتوبر 14، 2010

حديث عابر فى المينى باص رقم (1)



أحيانا لا يجدى أن أبدأ قراءة كتاب فى وسيلة مواصلات مزدحمة مثل المينى باص رقم (1) المتجه من مدينة نصر إلى شبرا ،فحين 
بدأت أول صفحة كان المينى باص قد أكتظ بالبشر وكنت أدعو الله أن أتمكن من النزول منه فى رمسيس بدون أن (أدألج على السلم) ، وفى الصفحة الثانية وقفت أمامى سيدة فى أول عقدها الرابع تبدو عليها علامات الأرهاق وكانت هزيلة بشكل ملحوظ وكانت كل حركة تقوم بها بيدها تجعل خمارها غطاء للصفحة التى أقرأها. وبعد قليل وقفت سيدة أخرى تقريبا عند كتفى وكانت معذورة فى زغدها لى من الوقت للآخر، فمن يصعد يمر من ورائها ليزغدها، فتزغدنى بالتبعية وخاصة أننى جالسة وهى واقفة. ولأنها تقف فوق دماغى والسيدة الأخرى أمامى فمن السهل سماع حديثهما، مع التأكيد بأنى لا أهوى التصنت، وكان من الواضح أنهما تعارفا صباحا فى وسيلة المواصلات نفسها. ولم يشدنى حديثهما إلى أن وجدت السيدة الثانية تقول للأولى
السيدة رقم (2) : شفتى الراجل الناقص بتاع الصبح الى كان واقف جنب الست
السيدة رقم (1) : أيوه ياعينى وتقول له من فضلك أقف عدل ولا كأنه هنا
السيدة رقم (2) : حاجة بقيت تأرف بجد بقى فيه رجالة معندهاش دم ولا نخوة
السيدة رقم (1) : تعرفى أنا مش بتكلم فى موقف زى ده بخاف الموقف يتقلب ضدى ، وكمان دول بيقعدوا يقولوا لنا ما تقعدوا فى بيوتكم مزحمنا فى كل حاجة
وهنا لم أستطيع الا أن أتدخل فى الحديث
أنا: يعنى أيه متقدريش تعملى له حاجة ده أنت بالقلم وعلى صدغه
المرأة رقم (2) : لا لا لا قلم لا ده أنا ماوسخش أيدى ده بالشبشب وفين يوجعك
أنا موجهة سؤالى للسيدة ذات الخمار: والناس الى بتقول لك أنك بتزاحميهم ياترى أنت بتشتغلى ليه؟ هو أنت غاوى تعب؟
ردت: لا أنا جوزى بيشتغل جناينى فى الحكومة وبيأخد 300 جنيه حيعملوا إيه ، وأنا بأشتغل عند واحدة هنا فى مدينة نصر من فترة ، كنت الأول عند والدتها ودلوقتى عندها أصل العيشة غالية ، وأنا عندى 3 عيال فى المدارس والله بسيبهم من أول النهار لأخره.
أنا: ومين بيطبخ لهم ويذاكر لهم؟
هى: بنتى فى الأعدادية وهى الى بتقوم بالموضوع ده أنا أبنى الكبير فى صنايع والصغير فى 6 أبتدائى وبعدين بيأخدوا دروس ومجاميع بس والله غصب عنى أنا بأنزل من 5 الصبح علشان ألحق أوصل هنا أنا بركب 3 مواصلات، ده حتى الست عايزانى بكرة الساعة 6 ونصف علشان عندهم عزومة.
أنا: وأيه الى بيجيبك المشوار ده كله مافيش حاجة قريبة منك؟
هى: الست كويسة معايا وأنا معاها من زمان وبأخد 850 فى الشهر الحمدلله
تدخلت السيدة الأخرى وهى سيدة كبيرة فى السن نوعا ما تقترب من الستين قائلة : لا ده قليل لازم تطلبى زيادة مش كده يامدام؟
المرأة رقم (1) : لا حتكسف
أنا: على أول السنة الجديدة أطلبى زيادة وإن شاءالله حتزودك
المرأة رقم (2) : أنا بأخد 1500 أنا بأشتغل طباخة جوزى ميت من 8 سنين وبيطلعلى معاش أنا جوزت أبنى الكبير وربنا يبارك فيه أبن بار ومراته ربنا يباركلها يارب بتساعدنى فى شغل البيت وبصراحة مريحانى ربنا يبارك لها يارب
أنا: طيب ليه بتشتغلى مع أن شكلك بتحبى الشغل ومش ممكن تقعدى؟
ردت: أيوه يامدام مقدرش أقعد خالص وكمان أبنى الصغير محتاج مصاريف وقال لى زى ما صرفتى على أخويا الكبير فى جوازه وساعدتيه تساعدينى أنا كمان مع أنه يامدام بيشتغل وهو طالب وبيطلع له قرش كويس بس دلوقت مش عاوز يكمل شغل ومش بيساعد خالص فى البيت وأنانى غير أخوه خالص هو عايز يستنزفنا كلنا.
ده يامدام بعد ما أتفقنا أنه يكتب الكتاب على العيد عايز دلوقت يخلص ويدخل وأحنا مش جاهزين وبيقول ماليش دعوة.
أنا: هو مش لسة طالب خليه يخلص الأول ومعلش ربنا يهديه إن شاءالله ماهو مش معقولة تبقى الحياة سلسلة فى كل حاجة.
كنا وصلنا لمحطة غمرة وبدأت السيارات فى الشارع تتحرك بسرعة السلحفاة وكانت الساعة تقترب من السادسة الا ربع مساءا.
أنا: وهل تسكنين بعيدا؟
السيدة رقم (2) : لا أنا بأنزل القبطى أنا فى العمارة الى فوق الأجزاخانة
السيدة رقم (1) : عارفين أنا شفت برنامج أمبارح فى التليفزيون بتاع دكتور عظام مشهور أوى مش فاكرة أسمه ولا أسم القناة بس برنامج بيجى كل اسبوع الساعة 7 كده، كان الرجل بيقول أن الست المصرية هى أكثر الستات الى بتشتكى من عظمها وفى كل حتة فى جسمها لأنها عايزة تعمل كل حاجة مرة واحدة ده أنا يوم الجمعة لازم أقلب الشقة عندى وأنضفها طيب أعمل أيه؟ وأتلفتت يمينا لتجد مقعدا خاليا فطلبنا منها أن تجلس لتستريح قليلا. وأنقطع الحديث
ونزلت السيدة رقم (2) محطة القبطى لتعبر الشارع للعمارة إلى فوق الأجزاخانة
ولم أرى السيدة رقم (1) وهى تهبط من المينى باص لتركب مواصلة ثانية للذهاب الى منزلها بينما أنا أوقفت تاكسى لأتجه نحو أحد الفنادق الفخمة على الكورنيش لمقابلة صديقتى اللبنانية التى تحضر مؤتمرا طبيا فى مصر يعقد فى نفس الفندق.
وعند عودتى للمنزل فتحت اللاب توب ولا أعرف لما قررت أن أكتب ذلك الحديث الذى دار فى المينى باص رقم (1) عن المرأتين ربما لأقدم لهما خالص تقديرى لشقائهما فى الوقت الذى لا يشعر أحد بمعانتهما ربما حتى ربات عملهن.
ربما لأعتذر لهما عن بعض الشيوخ ذوى اللحى الذين يتشدقون ليلا ونهارا بأن عمل المرأة حرام
لأعتذر لهما عن تحرش الرجالة الناقصة التى لا تراعى الله فيما تفعل
لأعتذر لهما عن من يرى أن عمل المرأة هو مزاحمة له وكأنها غاوية شقاء ولايعرفون أنها كالثور فى الساقية
لأعتذر لهما عن طلبات بعض الأبناء التى لا تنتهى
لأعتذر لهما عن بعض الشباب (بما فيهم الشابات) الذين يرفضون وظائف لأنها بعيدة عن منازلهم
لأعتذر لهما عن بعض السيدات التى لا تفكر سوى فى أخر صيحات الموضة ولا تنطق سوى بالنميمة فى جلساتهن النسائية
لأعتذر لهما عن غلاء الخضروات واللحوم والدواجن والتى تصر الحكومة أنها لا تملك حلولا لها
ولن تنتهى سلسلة الأعتذارت ولكن يبقى تقديرى وأحترامى لكل ست شقيانة فى هذا البلد وفى أى بلد أخرى ولهن منى باقة ورد
(قلمى)

هناك 10 تعليقات:

  1. حلو اووووووووى فكرة الموضوع ياقلبى

    جميل هو قلبك الطيب

    وقلمك النابض

    الذى استطاع ان يجزبنى حتى اخر كلمه

    جزاك الله كل الخير

    تحياتى

    ردحذف
  2. اللهم لا اعتراض

    وياريت تقولي للمشايخ اللي بتقول كده يروحوا يشوفوا أزواج هؤلاء النسوة حيلاقوهم متلقحين عالقهوة بيشربوا شيشه طول النهار ويستنى مراته وهي راجعه من الشغل هو واولاده يلهفوا شقاها يحششوا بيه........كفايه كده ضغطي واطي اساسا

    ردحذف
  3. فعلا ..الحديث ده لخص كلام كتير بيسىء لعمل المرأة , ودورها فى المجتمع ..وكمان بيعبر عن حال فئة لا تملك سوى عمل يدها للعيش ...
    استمتعت كثيرا بالحوار ..لاننى بالتأكيد يصعب ان اشارك فى مثله ..

    ردحذف
  4. Mona
    كنت على وشك أن أتهمك بالتدخل فيما لايعنيكى والآن بعد إنتهائى لكى منى كل الإعتذار على مابدر لذهنى لمجرد التفكير فى ذلك بأن الإنسان يجب ألا يحكم على شيئا حتى يسمعه للنهاية فلكى منى كل التقدير والإحترام وأنتى التى تستحقى الإعتذار أكثر من كل الناس سلم قلمك وتفكيرك وحنانك وحبك للآخرين

    ردحذف
  5. ولن تنتهى سلسلة الأعتذارت


    صدقينى معاكى ألف حق يا منى

    بوست جميل جدا والفكرة راقية

    ياريتنا كلنا فعلا نحس ببعض كده

    ياريت

    يمكن كانت حاجات كتير اتغيرت


    تحية لقلمك وفكرك واحساسك الراقى عزيزتى

    ردحذف
  6. كنت دائما ولا زلت أحترم كل إمرأة تعمل سواء كانت زميلة أو واحدة من الملايين المحشورات في وسائل النقل والمتحملات سخافات الرجال في المواصلات وفي العمل والمعانيات أعباء المنزل بعد يوم العمل الشاق.
    أما أولئك الجالسون في الفضائيات فليهدهم الله لقول الحق وليقولوا خيرا أو ليصمتوا.
    الأخت منى .. هذه واحدة من أروع ما كتبتي
    دمتي بكل خير

    ردحذف
  7. تصدقى اهم حاجة استفدتها انى اكتشفت انى عايشة فى عالم تانى...واضح ان الخادمات و الطباخات مرتباتهم كويسة اوى بالنسبة لاساتذة الجامعة!

    ردحذف
  8. ازيك منى اخبارك اية

    دة حال ناس كتير والله

    ولااسف مفيش تقدير


    ربنا يوفقك ويكرمك

    مع خالص تحياتى

    ردحذف
  9. بصراحة لهم حق ركاب الميني باص ده ماحدش يقري...ده بيدور به كتاب مسموع طول الوقت ...تحياتي لاسلوبك الجميل...

    ردحذف
  10. أستاذتى القديرة منى

    ما أعظم هذا البوست أنه يُلخص ما يحدث فى قاهرة المعز

    بجد انا بيصعب عليا قريبى اللى عايشين فى القاهرة و الناس بتجرى علشان تقدر تعيش

    و ياريتهم عايشين بعد دة كله

    شكرا لهذا البوست العميق جدا

    ربنا يوفقك دائما

    ردحذف

(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))