بعد سلمى لاجرلوف، كانت الأديبة الإيطالية جراتسيا ديليدا- Garzia Deledda ثاني امرأة تفوز بجائزة نوبل للأداب عام 1926، بعد انتقالها من القصص الواقعية نحو الملاحم والأساطير وبخاصة روايتها (إله الأحياء )، وهي من الأديبات العصاميات اللاتي علمَّن أنفسهن بأنفسهن.
ولدت ديليدا في بلدة " فيورو " الصغيرة الموجودة بجزيرة سردينيا في 27 سبتمبر عام 1871 في أسرة ثرية ، وتلقت تعليمها الأساسي في مدرسة البلدة الابتدائية حتى بلغت العاشرة من عمرها وبعد ذلك تلقت دروساً خصوصية في اللغة الايطالية واكتشف معلم اللغة نبوغها المبكر في كتابة الإنشاء وطلب منها أن تقوم بنشر ما تكتب في الصحف والمجلات وكانت آنذاك في الثالثة عشرة من عمرها، وأبدت إعجاباً بكل من شاتو بريان وفيكتور هيجو وبلزاك ، ومن الايطاليين : كاردوتشي ، ودانو نتسيو ، فضلاً عن الأدباء الروس ، وكان تأثيرهم واضحاً في روايتها ( في البحر الأزرق ) المنشورة عام 1890 ومن بعدها ( أرواح شريرة ) وقد شجَّع هذه المجموعة الكاتب الإيطالي الشهير آنذاك ، روجيرو بونجي أن يكتب لها مقدمة روايتها ( أرواح شريرة ) عام 1896.
وقد كان لنشأتها في سردينيا انعكاسات واضحة على كتاباتها، إذ دارت أحداث معظم أعمالها في أحضان الطبيعة البكر التي تميز بها ريف سردينيا، كما أنها حرصت في رواياتها وقصصها على رسم ملامح نفسية لشخصيات لها القدرة الفطرية على التميز والإدراك، وشخصيات تعاني من أسر المبادىء الدينية المتشددة، وقد استمدت هذه الصورة من ملامح سكان الريف.
وفي عام 1892 كتبت أولى رواياتها الطويلة وكانت بعنوان أو" زهرة سردينيا" وبعثت بها الى أحد الناشرين في روما فنشرها ولاقت نجاحاً منقطع النظير وأتبعتها برواية أخرى وهي " أنيم أونست " 1895، ولكنها جنت أول نجاح حقيقي لها من خلال رواية " الياس بورتوليو " 1903 التي تُرجمت الى جميع اللغات الأوروبية.
وفي أول القرن العشرين ، في عام 1900 تزوجت جراتسيا، وبعد زواجها سافرت مع زوجها بالميرو مودساني إلى روما ، وأحسَت أنها المدينة التي تنشدها فعاشت فيها سعيدة مع اسرتها، تكتب ، وتنجح وتحظى بالكثير من الشهرة والتقدير وفي روما اكتشفت عالماً اكثر رحابة متمثلاً في المدنية بأبعادها الثقافية والحضارية المختلفة ومتمثلاً أيضاً في المؤلفات الأجنبية التي غاصت فيها جراتسيا ديليدا تلتهمها بنهم حيث كان لهذه الاكتشافات الأثر العظيم في كتاباتها التي صارت أكثر تنوعاً وانفتاحاً.
وقد بلغت المحصلة النهائية لأعمالها قرابة خمسين رواية ومجموعة قصصية ، أغلبها مستوحاة من أجواء سردينيا ، ومن أبرز أعمالها: " سينير " عام 1904 ، وهي حكاية امرأة ضحّت بنفسها من أجل طفلها غير الشرعي ، و " كان آل فنتو " عام 1913 ، ورائعتها " الأم " عام 1920 التي تحكي عن قس وقع في الحب وحمَّل أمه عذاباً لم تستطع تحمله ، وهي من الأعمال التراجيدية المتميزة، وقد قارنها ( دي . إتش . لورنس ) برواية " مرتفعات وذرينج " ، ورواية " بعد الطلاق " ، ورواية " قصبة في مهب الريح ".
وتدور أحداث رواية "الأم" حول موضوع رهبانية القسس، وهي ليست رواية أحداث بقدر ما هي رواية أزمات نفسية عاشتها أم القسيس ” باولو ” حين اشتبهت في أن ابنها ارتكب الخطيئة مع الأرملة ” آنييس ” . كانت ” الأم ” امرأة جاهلة ولكنها تعرف، صارحت ابنها باكتشافها ، و أخذت عليه عهدا بأن يقطع صلته بآنييس ، ولكن عذاب ابنها جعلها تنظر إليه على انه ضحية لقانون الكنيسة . وقد جعلت المؤلفة أحداث روايتها تدور في بلدة صغيرة من خلقها أسمتها ” آر ” في مكان لم تسمه ، ولا خلاف بين الدارسين على أن وصف البلدة والمنطقة المحيطة بها وأهلها ينطبق على وصف أي بلدة صغيرة في جزيرة “سردينيا ” مسقط رأس المؤلفة .
وقد لجأت المؤلفة إلى اللغة الشاعرية ، لكي تلطف من قتامة الرواية التي وصفها أحد النقاد الايطاليين بأنها ”أكثر روايات المؤلفة سوادا وهي التي لا تكتب الا روايات سوداء ” ووصف ناقد آخر هذه الرواية بتوترها المتصاعد ، وبقلة عدد شخصياتها . وقد ترجمت القصة إلى لغات عديدة ، وهي من الأعمال التي مازالت تلقى إقبالا لدى الجمهور الايطالي برغم مرور أكثر من ثلاثة أرباع قرن على نشرها لأول مرة.
لتحميل رواية الأم باللغة العربية:
أو من:
ومن المؤسف أن كتابات جراتسيا ديليدا قد اختفت بموتها، تماماً كما حدث مع سلمى لاجرلوف، مع أنها استطاعت بفوزها جذب الأنظار الى عظمة إيطاليا وإبداعها وأعادت الذاكرة الى كبار المبدعين في القرن التاسع عشر أمثال بوكاتشو ومورينا موريتي وريناتو فوتشيني ومايتو باندللو .
ويقول الناقد الفرنسي ( فرانسوا ليفي ) أستاذ الأدب الإيطالي بجامعة السوربون إنه عند الحديث عن جراتسيا ديليدا ، يجب الاهتمام بعلاقتها بالجزيرة التي عاشت فيها من ناحية ، وثقافة البحر المتوسط على وجه الخصوص ، وهي ثقافة ذات شكل مميز تبدو واضحة في أدب الذين ولدوا في أحضان الجزر الإيطالية، مثل سردينيا، وصقلية ، ومنهم على سبيل المثال ( بيراندللو ) و ( ليوناردو شاشا ).
ففي جزيرة سردينيا عاشت حضارات عديدة من اليونان إلى العرب إلى الرومان، إنها أرض ذات نكهة خاصة ، وفوق هذه الأرض تولدت أهم مدارس الشعر الإيطالي في القرن الثامن عشر، كما اهتم الامبراطور فريدريك الثاني بالمدارس الفنية في القرن التاسع عشر ، وقد انعكس التاريخ واضحاً على سردينيا ، لكن هناك فارقاً بين ثقافة سردينيا وثقافة صقلية، فهذه الجزيرة قد أنتجت أدباً مكتوباً، أما سردينيا فأدبها شفاهي ، ولذا فإن حالة جراتسيا ديليدا قد غيَّرت الكثير من شكل الأدب هناك ، حيث كتب وجودها انتهاء عصر الأدب الشفاهي تقريباً وبداية الآداب المدونة، كما عكس مكانة المرأة في مثل هذه المجتمعات.
ويرى فرانسوا ليفي أن حياة ديليدا بمثابة مجموعة من حالات الهروب، فهي لم تتجه الى الكتابة إلا هرباً من رغد المعيشة في أسرتها الميسورة، حيث اكتشفت أن القيم الخلقية ليست على ما يُرام هناك، لذا اهتمت بحياة الرعاة، وراحت تتأملهم عن قرب، كما كان وجودها الدائم في مكتبة الأسرة بمثابة هروب آخر، حيث اهتمت بالروايات المسلسلة والشعر العاطفي وروايات الفروسية، لذا حاولت ان تعكس في أدبها صوراً من حالات الهروب بأشكال مختلفة .
ويقول فرانسوا ليفي إن الكاتبة لم تتزوج موظفاً إلا من أجل السفر إلى روما، وكي تستقر هناك حيث أرض الحضارة والذكاء، وفي روما بدأت مرحلة أدبية جديدة اهتمت فيها بأساطير الجزيرة، وهناك ولدت روايات من طراز " الياس بورتولو " عام 1903، وهي بمثابة إعادة كتابة لرواية كتبتها قبل ذلك بثلاث سنوات ، وفي العام نفسه نشرت رواية " رماد " ، وفي عام 1908 نشرت " أموت أو أحبك " والتي كانت أول أسباب حصولها على جائزة نوبل للآداب.
وابتداءً من عام 1912 اهتم النقاد بشكل واضح بأدب الكاتبة ، فقدمت " أبيض غامض " في السنة نفسها و " الحب والحقد " ، وفي عام 1915 قدمت " الطفل المختبىء " و " ماريانا " ثم نشرت " الأم " عام 1920 ، ثم نشرت رواية " إله الأحياء " عام 1922 ، وفي عام 1923 نشرت رواية " بوص تحت الريح " وبعد سنوات نشرت رواية بمثابة سيرة ذاتية تحمل إسم " كوزيما " وماتت قبل نشرها بعام تقريباً حيث توفيت في روما في 15 أغسطس 1936.
للأطلاع على المزيد من المعلومات عن جائزة نوبل باللغة الأنجليزية
http://www.nobelprize.org/nobel_prizes/literature/shortfacts.html
تم الأستعانة بعدة مصادر لكتابة المقال & تابعونى لمعرفة المزيد عن نساء "نوبل"