(1)
ما عادت بى لهفة لتلك الرغبة التى تنهشنى أحيانا
تلك الرغبة القاسية فى الكتابة
لم أعد أمتلك الحروف ولا الكلمات أو حتى القلم لأسطر ما يجول فى خاطرى
اليوم كسائر الأيام أقوم من فراشى
يخنقنى ذلك القيظ الذى لا تتحمله المروحة الكهربائية التى تعمل طوال الليل
بصوت محرك السفينة
بصوت محرك السفينة
ويخترق نفس الألم قدماى كل صباح حين أضعهما على الأرض
أتساءل هل حان الوقت لشراء عكاز فلم أعد أرغب فى الأعتكاز على أحد
أتساءل هل حان الوقت لشراء عكاز فلم أعد أرغب فى الأعتكاز على أحد
فلقد تنسانى من تنسانى وتناسى أسمى وعنوانى ولم يعد حتى هنا ليربت على كتفى
أنظر للنمل المنتشر فى الأركان
ولأول مرة أتوق للخريف ليخلصنى من تلك الحشرات البغيضة التى تستمتع بحرارة الصيف وتعيث مرحا وتوترنى
أبحث عن أوراق قديمة تائهة منى ربما هنا أو هناك
أرتبها وأضعها فوق مكتبى وأرجع لفراشى وقبل أن أعاود النوم أفتح نافذتى
فتنطلق الأوراق هاربة
(2)
اليوم يوم ميلاده
أحترت ماذا أهديه فى مثل هذا اليوم
أأهديه ريشة ودفترا ليعاود كتاباته
التى توقف عنها منذ فترة طويلة
لست أدرى حقا ماذا أهديه
أعرف أنه يوم خاص بأمانيه
وبأننى لاأستطيع الأستيلاء على تلك الأمانى
كما أنى لم أعد قادرة على منح أمانى لم تعد لصالحى
ولكن لازالت بى رغبة ملحة فى الكتابة إليه
وللتواصل اللآنهائى معه
وللتواصل اللآنهائى معه
ربما لشعورى بأنه ذاك الرفيق الوهمى الذى يقطن بل ويستوطن طفولتى
وربما لمعرفتى أنه كل الكلمات التى سأخطها لن ترسم أبدا صورته كما أريدها أنا أن يراها هو
لست أدرى حقا ماذا أهديه وهو هناك بعيدا عنى
سوى رغبة ملحة فى أن أجلس هنا
فى نفس المكان
وعلى نفس المقاعد وأحتسى فنجان القهوة
وأهمس له كل سنة وأنت بالف خير
وبأننى افتقده أفتقادا لا حدود ولا معالم له
وبأننى أحى على أمل أن يمسك يوما بريشته
فيرسم لنفسه قلبا يحملنى دوما بداخله
(3)
هنا فى المكتبة مكانى الخاص الذى أشتاق إليه دوما
فهى المكان الذى يحفز عقلى ويثرى خيالى
أتصفح الكتب وأعرف أننى هذه المرة لن أقوم بأقتناء كتاب جديد
فلم تعد الميزانية تحتمل أى رفاهية
ولكنى مازلت أشعر بالراحة لوجودى هنا
قراءت مؤخرا أن العلاج بالقراءة الأنتقائية هو أحدى طرق العلاج النفسى
وفى ورقة صغيرة كتبت لأذكر نفسى بأنه على قراءة المزيد عن ذلك الموضوع الشيق
أحمل بين يدى كتاب أعادته الى اليوم صديقة بعد أن قرأته
"يوميات أمرأة مطلقة" تساءلت الصديقات الأخريات لماذا أقرأ كتاب بهذا العنوان
لم أجد جواب لشعورى بأنه سؤال أحمق
منذ يومين كنت أقرأ قصة بعنوان "نسر بجناح وحيد" وتعجبت
ترى هل أصبح عنوان الكتاب الأن يدل على شخصية القارىء؟
لمحت على أحدى الرفوف عنوان الرواية التى أهدانى أياها منذ زمن
لمستها وأبتسمت
بحثت عن أهدائه وكأنه هناك وللحظة رأيت أسمه بين السطور
وهربت من عينى دمعة
مشتاقة لوجوده هنا
مشتاقة لوجوده هنا
(4)
تبدين مختلفة فى تلك الصورة
كيف؟
لاأعرف لكنك مختلفة
وكيف أبدو مختلفة فما زلت كما أنا منذ أن تركتنى؟
تبدين أجمل
أبتسمت فما كنت يوما جميلة فكيف اليوم أبدو أجمل؟
ربما يجاملنى
ربما أكون جميلة حقا فى نظره
لكنى لن أعرف أبدا
ربما أكون جميلة حقا فى نظره
لكنى لن أعرف أبدا
ولكنى على يقين أنه حين طلبت ألتقاط الصورة
فقد رغبت أن أكون حقا جميلة
ليرانى متألقة وليلمح الشوق فى عيونى ولو لمرة واحدة وأخيرة
وددت لو أقول له بألا يكف عن التغزل بى حتى وإن كانت كذبة
فى الأسفار مصرح للقلب أن يهفو لقليل من الجنون
وبأن يشدو بكلمة "حبيبى" قبل أن يسقط المطر
ويهبط الظلام على الأزقة بكل قسوة
فيفترق كل من يظن أنه كان يوما حبيبا
(5)
دق هاتفى
لاح أسمه على الشاشة
فرقص قلب الصبية الذى بداخلى
وأشرق ثغرى بأبتسامة ساكنة
همست : "أحلى اللحظات هى لحظة المفاجأت الرقيقة التى تأتى دونما ميعاد ما أحلى مفاجأتك"
قال: " كنت فى حاجة لسماع صوتك"
هسمت : "أشتقت إليك كثيرا"
ولازال قلب الصبية بداخلى يتوق للحظة التى يسربلنى فيها بداخله لأختفى عن ذلك الوجود الضحل
ولاأملك سوى ورقة وقلم لأرسم عليها آلة الزمن
وأتوه أى عالم أختار ولكنى أعرف أنه فى الحالتين سأحبه بل سأعشقه
عشق النجوم لليل دامس لتتلاْلآء فى سمائه وتتراقص ضياءا
عشق الطيور لأغصان الشجر لتغرد فوقها أحلى الألحان ويتنفش ريشها بأزهى الألوان
عشق الغزلان لغدير الماء تختال على صفحته لترتشف قطراته قطرة قطرة
أنه عشق من نوع خاص لا يشوبه جنون أو مجون أو عربدة أو أى نوع من شعوذة هذا الزمان
وعلى ورقة بيضاء مسموح لى بأن أخط "أحبك"
وبالقلم الأزرق مصرح بأن أزيد "وماعدت أحتمل أن يسكننى قلب صبية وأن أحبك كل هذا الحب"
وبالقلم الأحمر أزيل ما كتبت وأضع علامات ونقاط وخطوط
أكسر قلمى
وأغلق دفترى
وأفتح صندوق أسرارى
فى قاعه تختبىء أجنحة الفراشة الملونة
أخرجهما وأضعهما وأطير بعيدا بعيدا
قلمى